الخميس، 15 يوليو 2010

في مثل هذا الوقت

أذكره نعم أذكره .. ذلك الفتي ذو العينين الحزينتين والنظرة المتأملة .
كان يسكن في ذلك المنزل الذي يحيطه سياج عند نهاية الشارع جهة اليسار.
ذلك المنزل الذى نوافذه العالية تطل مباشرةً علي النيل والذى امامه تلك الشجرة التي نصفها داخل السياج حيث تعلق امه اقفاص عصافيرها الخضراء والصفراء والحمراء ونصفها الاخر خارج السياج حيث يعلق ارجوحة من الحبال تنتهي بخشبة مثقوبة الاطراف حيث كان يجلس وحيداً كل يوم في مثل هذا الوقت ووجه شطر النهر يراقب الشمس وهي تغرق ببطء في النهر منصتاً لصوت الطيورالعائدة الي اعشاشها مختلطاً بصوت عصافير امه والصوت الناعم للموج وهويداعب الضفة الرملية حيث يأتي من بعيد صوت غناء الصيادين وهم ينشرون شباكهم الكبيرة وصوت تصايح الصبية ( قوون المغربية احلي من مية )
وصوت الفتيات يمازحن بعضهن ويطوين حبالهن ويمسحن حجلتهن بينما بعضهن لازلن يقفزن وينحنين فوق وتحت الحبال متصايحات شمس قمر نجوم ليل وصوت النساء ينادين علي اطفالهن للدخول للمنازل فقد كادت الشمس تغرب بينما يلقي الراجل التحايا علي بعضهم البعض وهم يسحبون كراسيهم للجلوس للسمر واخرون يفرشون سجاجيدهم لصلاة المغرب بينما يعبق الجو برائحة البحر والريحان ورائحة الحليب وهو يغلي علي المواقد انه وقت شاي المغرب.
نعم اذكره فقد كان جاري قبل ان انتقل لهذا المنزل وقبل ان ينتقل هو وامه الي حيث لا ادري في مثل هذا الوقت حين يغبش الشتاء الجو وتبدو الشمس اكبرما يكون ويكتسي الافق بلون برتقالي يخالطه سحاب بنفسجي ورمادي داكن كان يبدو لي دوماً في مثل هذا الوقت اشبه بطائر عنقاء كبير حبس داخل قرص الشمس بيديه الممسكتان بحبال ارجوحته وساقاه المتدليتان ورأسه مائلاً قليلاً الي اليسار كأنه يصغي لصوت قلبه بينما تبطىء ارجوحته وكأنما يحركها النسيم
نعم اذكره وقد قلت ذلك مراراً لأشخاص غرباء مثلك جاءوا يسألون عنه عاماً بعد عام. في مثل هذا الوقت كان يبدو دوماً وكأنه ينبت من قرص الشمس لا أدري أكانت الشمس تهبط ام هو الذي كان يصعد حتي لا يبقي منه في الشمس إلا قدميه حينها كان يرمي برأسه الي الخلف في الوقت الذي تظهر فيه اولي نجمات الليل لحظتها تسود العالم حالة سكينة غريبة ويصبح العالم اكثر وداعة كأنما ام خفية ورحيمة تهدهده ثم فجأة يأذن الاذأن فيترك ارجوحته عائداً للبيت وكأنه سائراً في نومه.
هكذا دائماً كان يجيب ذلك الشيخ العتيق عندما اسأله كلما اتيت في مثل هذا اليوم كل عام لأشاهد الغروب هاهنا ومات دون ان يدري انني انا من كنت ذلك الفتي النحيل ذو العينين الحزينتين والنظرة المتأملة قبل ان أتوه في زحمة الايام .

ليست هناك تعليقات: